کان للنباتات مکانة عظيمة ومهمة في مختلف العصور القديمة، وکانت تستخدم في شتى مجالات الحياة بل وذکرت في الأساطير ووصلت لمرتبة التقديس والعبادة، وتعددت رمزيتها حتى أنها استخدمت في جميع الأديان السماوية، وتعد شجرة النخيل من أهم الأشجار التي جذبت انتباه الفنان المصري القديم الذي تأثر بالنخل وأتخذ منه مادة خصبة لا تنضب في أعماله الفنية المختلفة، وظهر ذلک بوضوح في المعابد والقبور طوال العصور التاريخية.
يتناول البحث دراسة لنموذجين من الطين المحروق" التراکوتا" لشجرة نخيل البلح لم تُنشر من قبلومحفوظة في المتحف اليوناني والروماني بالمتحف الزراعي بالقاهرة، والنموذج الأول لنخله بها ثمار البلح، ويظهر في أعلاها الفلاح متسلق النخل، أما النموذج الثاني لنخلة بها ثمار البلح فقط، ولذا الهدف من هذه الدراسة هو إلقاء الضوء على هاتين النموذجين لنخلتي البلح، حيث تعد من النماذج الفريدة والقليلة التي صورت النخلة منفردة من التراکوتا، وبالرغم من الدراسات العديدة التي تناولت نخلة البلح إلا أنه لا توجد دراسة تناولت تجسيد نخلة البلح في نموذج من التراکوتا، کما لا توجد دراسات سابقة تناولت الفلاح متسلق النخلة، ولذلک تسعى هذه الدراسة إلى التعرف على ماهية هاتين النموذجين، والغرض والوظيفة من صناعتهما، والتعرف على مهنة متسلق النخل، وکيف کان شکله وما هي ملامحه والأدوات الأساسية التي تميزه، بالإضافة للتعرف على أهمية نخيل البلح في مصر خلال العصرين البطلمي والروماني، ودوره في الحياة الدينية والدنيوية، وما هي الآلهة المرتبطة بنخيل البلح، وهل صور نخيل البلح بنفس الشکل على أي من الفنون الأخرى.
تعتمد هذه الدراسة على المنهج الوصفي الاستقرائي التحليلي، وذلک في ضوء دراسة وصفية دقيقة لنموذجي نخلتي البلح، ثم تُتبع بدارسة تحليليةتشمل المادة وتقنيةالصناعة، مع توضيح للفترة الزمنية التي ترجع لها هاتين النخلتين عن طريق مقارنتها بنماذج مقارنة داخل وخارج مصر.
ويتضح من خلال دراسة هاتين النموذجين لنخلتي البلح أن شجرة النخيل تمتعت بأهمية دينية ودنيوية وانتشرت منـذ العصـور القديمـة کعنصر زخرفـي له رمزية عند کل حضارة استخدمتها.