العلامة المجاور أبو العباس العبدري الأندلسي الميورقي : سيرته وحياته العلمية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مرکز تاريخ مکة المکرمة

المستخلص

مکة المکرمة منذ أقدم العصور مکانتها الدينية، باعتبارها حرما آمنا منذ أن تلقى سيدنا إبراهيم الخليل أمر ربه بأن يرفع هو وابنه إسماعيل القواعد من البيت. ومنذ أن أمر رب العالمين إبراهيم وقال له: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوکَ رِجَالًا وَعَلَى کُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ کُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) [الحج: 27-28]. ومنذ أن منّ الله سبحانه وتعالى على الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم بفتح مکة بأن تکون منبع الرسالة الأولى ومنبع الوحي ومکن لکلمة التوحيد في جنباتها بدأت ملامح مکة العالمة تتشکل. ومما يتلوه الرسول على صحبه وما يحدثهم ويفقههم في أمور الدين والدنيا، ومن حوله کان حفظة الکتاب ورواة الحديث، وهم فقهاء الصحابة وعلماؤهم يسهمون في تشکيل ملامح هذا البلد الأمين. وکان من ضيوف الرحمن من اشتغل بطلب العلم، مثلما کان منهم المشغولون بطلب الرزق، کلهم يبتغون مع حجهم فضلا من ربهم ورضوانا ويشهدون منافع لهم ([1]). لذلک وفد الناس من کل مکان إلى مکة. إلا أننا نقدر نسبة الأندلسي ينفيها کانت من النسب العالية الملحوظة، سواء من حيث نوعيتها أو حجمها، لما عرف عنهم من حرص علي طلب العلم من منبعه الرئيسي في الحرمين الشريفين مکة والمدينة. وکان حرص الأندلسيين على المجاورة جانب قدسية المکان يقترن بدافع التحصيل والرواية عن شيوخ العلم منذ فترات مبکرة من حياتهم العلمية، حيث کان أبناؤها أمثال الغازي بن قيس وزياد بن عبد الرحمن المعروف بـ شبطون (ت204هـ) وفرغوس بن العباس ([2]) وعيسى بن دينار وعبد الملک بن حبيب ويحيى الليثي وبقي بن مخلد وغير هؤلاء من طلبة العلم، يخرجون من الأندلس في رحلات تستغرق من أعمار نبضهم بضع ستين منها ما يطول أو يقصر، ويختلفون إلى حلقات الشيوخ، ويترددون على مجالسهم يقيدون عنهم ويروون، وعادة ما تکون الحصيلة العلمية ثمينة، يعود بها أصحابها إلى الأندلس لبثها ونشرها، أو يبقون في مکة أو المدينة. طمعا في قدسية المکان وحيا في الاستزادة من طلب العلم. ويمکن القول بأن من جل من حج کان يحرص على المجاورة في مکة أو في المدينة أو فيهما معا. لمدة قد تطول أو تقصر. على أن بعض هؤلاء فضل البقاء في إحدى المدينتين، ولم يعد إلى بلاده أبدا، بل وأصبح من أهلها وعلمائها البارزين. وتعددت العلوم والفنون التي يتحلق حولها هو المجاورون فشملت التفسير والقراءات وعلومهما، وفي الحديث وعلومه، والفقه والفرائض، والسيرة والتاريخ، فمنهم من کتب في الخصائص النبوية کابن المسدي الذي توفي (633ه) ومنهم من کتب في التاريخ تاريخ المدن وبالذات مکة والمدينة، وقد عني رزين السرقسطي بتأليف کتابين في ذلک أحدهما (کتاب أخبار مکة) والآخر کتاب (أخبار دار الهجرة) ([3]). هذا وستتناول ورقتي هذه الحياة العلمية في جزر البليسار (ميورقة – ومنورقة – ويابسة...). والتعريف بالمؤلف وشيوخه ومصادر کتابه ورواته وآثاره العلمية باعتبارها عالما من علماء مکة الذين جاوروا بها روحا من الزمن.

الكلمات الرئيسية