فإن دراسة السياق محور رئيس من محاور علم الدلالة، وهو ثمرة من ثمرات اللسانيات، إذ جعلت منه نظرية ومنهجاً متکاملاً في دراسة المعنى، وحيث يظن البعض أن نظرية السياق نظرية غريبة المنبت، ولا علاقة لها بعلمائنا ولا بتراثنا، فإنني أرى أن ذلک أمر مغلوط، والسبب أن وعي التراث والعودة إليه يظهر وجهاً لغوياً مشرقاً عند العلماء العرب، وأن لهم السبق في کثير من المجالات. والسياق هو القاعدة الداخلية التي ينحرف عنها الأسلوب، إذ تتحدد أي ظاهرة أسلوبية بکونها خروجاً أو تحولاً عن النمط السائد في السياق، ويمکن تحديد هذه الظاهرة الأسلوبية في نص ما بموضوعية عن طريق رصد نقاط التحول في مسار السياق في هذا النص، وتتبع أهمية السياق من خلال الدور الذي يؤديه في فهم المعنى ذلک أن الکلمة تکتسب مدلولها من السياق وتتغير هذه الدلالة بتغيره وإن کان هذا لا ينفي وجود دلالات للکلمة المفردة لو خلت منها لبطلت وظيفتها في السياق، ومن ثم يأتي السياق ليحدد أحد تلک الوظائف الدلالية للکلمة، کما يظهر أثره في البناء الترکيبي للنص وترابط عناصره وأجزائه معجمياً ودلالياً. وقد حظي کتاب الله بدراسات کثيرة، وأبحاث وفيرة، وما زالت تنهل من مصدره. ومنها ما تناول الجانب الدلالي والأسلوبي والنحوي في ألفاظه ومواضيعه المتصلة بعلوم العربية. ومما لا سبيل إلى الشک فيه أن القرآن الکريم کتاب العربية الأول في متانة الأسلوب، وسمو المعنى، وقوة الدلالة، ويمثل نصه الخالد بحراً زاخراً بالظواهر الأسلوبية والقضايا اللغوية، وکنت لا زال أجد نفسي تدفعني لدراسة کتاب الله عز وجل تلاوة ودرساً، وهذا ما دفعني إلى اختيار أثر السياق في اختيار المفردات والتراکيب في القرآن الکريم ”حادثة الإفک أنموذجاً” من خلال آيات سورة النور (11-36)، تلک الحادثة التي تعد من أخطر الشائعات التي روجت في المجتمع المسلم، وکان القصد منها النيل من النبي صلى الله عليه وسلم ومن أهل بيته. وتأتي أهمية هذه الدراسة من أهمية الآيات ذاتها بالنظر إلى المناسبة التي جاءت فيها والموقف الذي نزلت من أجله، فهي من حيث موضوعها تبين أحکام الله حول جرائم العرض باختلاف درجات مرتکبيها ونوعياتهم وفي تقرير ذلک العلاج السريع على الواقع العملي الحي (حادث الإفک) الذي يعتبر مثالاً حياً واقعياً ونموذجاً من القذف العام حتى يتسنى لهذا البيان والحکم وذلک العلاج الناجع التمکن في نفوس المستهدفين بهذا التشريع لارتباطه الوثيق بهذا الواقع. کما أنها من ناحية أخرى تظهر أثر السياق على تنوع صوره في الترجيح بين المعاني واستنباط الأهداف والمقاصد التشريعية للنص القرآني، فقد اعتنى المفسرون بجوانب سياقية في تفسيرهم، بل ويتکئون على السياق بمختلف صوره في الترجيح بين المعاني.
حسن منصور عابد, محمد. (2015). أثر السياق في اختيار المفردات والتراکيب في القرآن الکريم : حادثة الإفک أنموذجاً/. مجلة کلية الآداب.جامعة بنها, 39(1), 1-124. doi: 10.21608/jfab.2015.48393
MLA
محمد حسن منصور عابد. "أثر السياق في اختيار المفردات والتراکيب في القرآن الکريم : حادثة الإفک أنموذجاً/". مجلة کلية الآداب.جامعة بنها, 39, 1, 2015, 1-124. doi: 10.21608/jfab.2015.48393
HARVARD
حسن منصور عابد, محمد. (2015). 'أثر السياق في اختيار المفردات والتراکيب في القرآن الکريم : حادثة الإفک أنموذجاً/', مجلة کلية الآداب.جامعة بنها, 39(1), pp. 1-124. doi: 10.21608/jfab.2015.48393
VANCOUVER
حسن منصور عابد, محمد. أثر السياق في اختيار المفردات والتراکيب في القرآن الکريم : حادثة الإفک أنموذجاً/. مجلة کلية الآداب.جامعة بنها, 2015; 39(1): 1-124. doi: 10.21608/jfab.2015.48393