المحظور اللغوي بين اللامساس والتلطف في التعبير

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم اللغة العربية

المستخلص

       الإنسان اجتماعي بطبعه، يعيش في ظل مجتمع يمثل له سلطة، ويفرض عليه احتراما لغويا، ومن ثَمَّ کانت مطالبته بالاجتماعية في إنتاجه مطالبةً طبيعيةً؛ لأنه لا ينتج لنفسه، وإنما ينتج لمجتمعه في شتى صوره، فلا بدَّ أن يحترم منتجُ الرسالة سلطةَ المجتمع المتلقية، مما يفرض عليه قيودا لغوية تُراعى عند إنتاجه اللغوي، مما يجعله يتحاشى استخدام لفظة ما، أو ترکيب معين لسبب قد يعود إلى طبيعة المتکلم، أو سلطة المتلقي، وهذا التحاشي في استخدام بعض الألفاظ هو ما يعرف في الدرس اللغوي بالمحظور اللغوية (Taboo)، فهو صورة من صور تأثير سلطة المجتمع في إنتاج المثقف اللغوي، مما يفرض عليه احترام قيود المجتمع؛ جعل تراکيبه مرنة تتناسب وسلطة المتلقي.
       إن المحظور اللغوية ظاهرة لغوية شائعة في اللغات الطبيعية، تعبر عن مواقف البشر، وتعکس نفسيتهم، وعقليتهم؛ وهي ليست قضية وليدة العصر الحديث أو أحد إفرازاته، وإنما تضرب بجذورها العميقة في أزمان سحيقة، فقد أدرک الجاحظ أبعاد هذه الظاهرة، فألزم المرسل بضرورة انتقاء ألفاظ دون ألفاظ؛ لسبب أو لآخر، مما أکسبه ثراء معجميا، وتعبيرا تتزاحم فيه الحقيقة والمجاز.
إن قضية المحظور اللغوي ليست وليدة العصر الحديث أو أحد إفرازاته، وإنما تعود إلى أزمان سحيقة، فهو  صورة من صور تأثير سلطة المجتمع في إنتاج المثقف اللغوي، مما يفرض عليه احترامَ قيودِ المجتمعِ؛ فيجعل تراکيبه مرنة تتناسب وسلطة المتلقي، فالکلام المنطوق يحتاج إلى شکل مرن، وليس إلى بناء جامد من التمثيل الشکلي، وهذا الحظر اللغوي ليس قصرا على لغة ما، إنما هو شائع في اللغات، فهو شکل لغوي واقعي، وجد له ما يبرره في المعطيات اليومية لاستعمالات لساننا، تعبر عن مواقف البشر، وتعکس نفسيتهم، وجوانب شخصيتهم؛ مما أغرانا بدراسة أسباب هذه الظاهرة، وسبل تحاشي المثقف المحظور اللغوية في إنتاجه، فعالجنا الظاهرة بما صدر عما تقرر في النظرية التداولية من مفاهيم، وإجراءات تتحکم في آليات إنتاج الکلام طبقا للأغراض التواصلية المختلفة، وقد استهدفنا إنفاذ البصر في بنية الجملة الخطابية المنجزة، انطلاقا من مبدأ التکوين الدلالي المنوط بالمتکلم المنجز صنوف الخطاب المختلفة، مرکزين من خلال المنهج التداولي على ما يتصل بالظاهرة المحظور اللغوي، وما يفرضه المجتمع کسلطة متلقية مؤثرة في رسالة المثقف. 
      جاء العمل إجابةً عن السؤال:کيف يتواصل شرکاء الاتصال في ظل المحظور اللغوي؟، ووزعنا مسائله في بابين رئيسين، عرضنا في الأول المقاربات اللغوية التي اهتمت بالدلالة والخطاب، ورکائز نجاح القدرة التواصلية، أمَّا الباب الآخر فاهتم بعرض ظاهرة المحظور اللغوي (Taboo)، من خلال التعريف به، وبيان أسبابه، ووسائل تحاشيه، والتلطف عند إنتاج الرسالة؛ لهذا اکتنف هذا الباب محوران: عرضنا في الأول أهم دواعي ظاهرة المحظور اللغوي في لساننا، وتبين لنا من أهم الأسباب الجالبة إياه في التراکيب کالخجل، والاشمئزاز، والخوف، والتقديس.
       أمَّا الآخر فيمثل وجهة نظر الباحث إلى هذا الموضوع، وهو طريقة معالجة تلک المظاهر في ذهن مستعمل اللسان العادي، ببيان أهم سبل رفع المحظور اللغوي، أو محاولة التقليل منه کاستخدام الکناية أو المجاز، أو الترادف، أو التمهيد، أو الاستعانة بالکلمة الأجنبية، أو اللجوء إلى البديل عن اللفظة کالرمز أو الإشارة، أو التحريف الصوتي.

الكلمات الرئيسية