أثر العلماء الأندلسيين في الحياة العلمية في الدولة الحفصية (635-897 هـ/1238-1492م)

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم التاريخ، کلية الآداب، جامعة المنصورة.

المستخلص

تعرضت بلاد الأندلس مع مطلع القرن السابع الهجرى / الثالث عشر الميلادى وتحديدًا بعد هزيمة الموحدين في معرکة العقاب عام 609هـ/1212م أمام جيوش الممالک المسيحية لحملة شرسة کانت نتيجتها الطبيعية سقوط العديد من المدن والبلاد الأندلسية فى أيدى تلک الممالک ، وکانت النتيجة الطبيعية لذلک أن تبعتها أکبر موجة لهجرة العلماء وطلاب العلم الأندلسيين متجهين إما إلى بلاد المغرب الاسلامي أو إلى المشرق الإسلامى ، وکان لهؤلاء العلماء دور کبير فى إثراء الحياة العلمية فى البلاد التى هاجروا إليها ، لتمکنهم من کثير من العلوم التى کانت مدن بلاد الأندلس تشهد على تفوقهم بها ، وفضَّل عدد کبير من علماء بلاد الأندلس التوجه إلى المغرب الأدنى إما للإقامة فيه أو مروراً منه إلى بلاد المشرق والإقامة في مدنه لبعض الوقت للقاء العلماء وطلاب العلم .
وهذا البحث يتناول جانباً مهماً من الجوانب الحضارية في إفريقية عصر الدولة الحفصية ، وهو الجانب العلمى ، وقد قمت بتقسيم موضوع البحث لعدة مباحث ؛ المبحث الأول : تناولت فيه کيف قامت مملکة غرناطة فى بلاد الأندلس بعد هزيمة الموحدين فى الأندلس وضعف دولتهم ،مما حدا ببعض القادة للخروج عليهم لضعفهم ، فکانت دولة القائد محمد بن هود التى دامت عشر سنوات ( 625-635هـ/1228-1238م) ، ثم تهيأت الأوضاع لقيام مملکة غرناطة على يد مؤسسها محمد بن الأحمر والتى دامت قرابة القرنين ونصف من الزمان . کما يتناول هذا المبحث ضعف الموحدين بالمغرب وقيام عدد من الدول على أنقاض دولتهم کان من بينها دولة بنى حفص فى المغرب الأدنى (إفريقية ).
أما المبحث الثانى فتناولت فيه أثر علماء الأندلس فى الحياة العلمية فى الدولة الحفصية، وعرضت فيه لأثر علماء الأندلس فى شتى العلوم ، وخاصة تأثيرهم فى العلوم الدينية ، وبخاصة ما قدمه علماء الأندلس فى علوم القرآن الکريم وعلوم الحديث وکذلک ما کان لهم من تأثير فى علوم الفقه وأصوله . کذلک يتناول هذا المبحث دور علماء الأندلس فى الحرکة الأدبية في عصر الدولة الحفصية ، حيث اهتموا باللغة العربية وآدابها ، وما کان لهم من تأثير فى علم النحو ، وکذلک ما کان لهم من تأثير فى الأدب بشعره ونثره ، وما ترتب على مهارة وشهرة علماء الأندلس من إسناد سلاطين الدولة الحفصية لهم مهمة کتابة الرسائل الديوانية فى ديوان الإنشاء ، کما کان لعلماء الأندلس تأثيرهم فى العلوم العقلية فى بلاد المغرب الأدنى ، ففد تأثر الطب فى مدن المغرب الأدنى بقدوم الأطباء الأندلسيين الذين مارسوا الطب فى تلک البلاد فازدادت شهرتهم حتى عملوا کأطباء للسلاطين الحفصيين ، کما کان لهم تأثير فى علم الفلسفة والمنطق وعلم الکلام  ، وغيرها من العلوم .
أما المبحث الثالث فيتناول أثر علماء الدولة الحفصية فى طلاب العلم الأندلسيين الذين قدموا المغرب الأدنى بقصد تحصيل العلم ، فأخذوا عن علمائه العديد من العلوم وأجازوهم فيها ، والمبحث الرابع فيتناول أهم الوظائف التي تولاها العلماء الأندلسيون في الدولة الحفصية .
توصل الباحث من خلال البحث لعدد من النتائج المهمة منها ؛ أن تأثير العلماء الأندلسيين على الحياة العلمية کان جوهرياً وتعدى ذلک إلى کل مجالات الحياة في الدولة الحفصية .
فقد کان للعلماء الأندلسيين الذين هاجروا من بلاد الأندلس إلى بلاد المغرب الأدنى بالغ الأثر فى إثراء العلوم المختلفة فى المدن التى نزلوا فيها أو تلک التى مروا بها فى طريقهم إلى البلاد الأخرى فى المغرب أو المشرق ، فقد أخذ عنهم الکثير من العلماء علوم عدة بل کان العلماء وطلاب العلم يتحينون لقاء علماء الأندلس للأخذ عنهم وإجازتهم.
کما أن التأثير الأندلسي فى العلوم اتسم بالشمولية فقد اتضح من خلال تناولى لهذا البحث أن تأثير علماء الأندلس لم يتوقف عند علم من العلوم ، بل کان فى علوم عدة ، شملت العلوم الدينية من علوم القرآن والحديث والفقه والتصوف ، وعلوم اللغة من نحو وأدب وخط ، کما شملت العلوم العقلية من طب وفلسفة ومنطق وغيرها ، مما أثرى الحياة العلمية في الدولة الحفصية ثراءاً عظيما.
کما أن بعض طلاب العلم الأندلسيين وعلمائهم کانت لهم رحلات علمية بقصد تحصيل العلوم من علماء المغرب والمشرق ، ولذلک نزلوا ضيوفًا على المغرب الأدنى بعد أن ازدهرت العلوم به مع مطلع  القرن الثامن الهجرى / الرابع عشر الميلادى ، فأفادوا من العلماء المغاربة والأندلسيين المقيمين بالمغرب الأدنى وسمعوا منهم وأجازوهم ، وعادوا بعد ذلک إلى وطنهم إما لشغل المناصب أو للتدريس.
کما شغل عدد کبير من العلماء الأندلسيين الکثير من الوظائف في الدولة الحفصية وذلک لکفاءتهم العلمية ولثقة سلاطين الدولة الحفصية فيهم .
على الرغم من الاضطرابات السياسية التى تعرضت لها بلاد الأندلس فى عصر بنى الأحمر فقد شهدت بلاد الأندلس فى فترة حکمهم نهضة علمية فى شتى العلوم ، کما کان اهتمام سلاطين بنى الأحمر بالحياة العلمية في مملکة غرناطة کبيراً وتجلى ذلک في انتشار المؤسسات العلمية والثقافية في اتلمدن الغرناطية ، مما کان له أثره فى رغبة بعض علماء  المغرب والمشرق في التوجه إلى غرناطة إما للقاء العلماء بها أو لإلقاء الدروس والتدريس فى مدارسها ومساجدها .

الكلمات الرئيسية