الصفات الإلهية وعلاقتها بالذات بين السلف والأشاعرة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المستخلص

المؤمنون بالله تعالى ليسوا على درجة واحدة في معرفة أسماء الله تعالى وصفاته، إذ منهم من لم يعرف الله تعالى إلا لکونه خالقا، مدبرا، حکيما، ذ إرادة واختيار، إليه منتهى الکمال والجلال، والجمال، وذلک، لأنهم آمنوا بالله تعالى، وعرفوه بواسطة النظر والاستدلال، والقياس العقلي، وهي الهداية العقلية مجردة عن هداية الدين، ومنهم من عرف الله بصفات الخلق، والإرادة والتدبير، والحکمة، وبانتهاء الکمال والجلال، والجمال إليه تعالى، وعرفه بجميع أسمائه الحسنى، وصفاته العليا، وأهل هذه المعرفة هم أهل الهدايتين العقلية النظرية، والدينية الشرعية، لأن من أسمائه تعالى ما لا يعلم إلا عن طريق الوحي الإلهي فقط، فالله أعلم بأسمائه وصفاته من خلقه، وأنبياء الله ورسله أعلم بذلک من غيرهم ممن لم يهتدوا بهداية الوحي الإلهي من الناس، وحذرا من الکذب على الله تعالى، وخوفا من تکذيبيه تعالى، ولا سيما وقد توعد الله تعالى مکذبيه والکاذبين عليه في قوله من سورة الزمر (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ کَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَکَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْکَافِرِينَ)([1]). فإن المؤمنين بالوحي الإلهي، العارفين بأسماء الله تعالى وصفاته يلتزمون حيال أسمائه عز وجل وصفاته بمبدأين، لا يقدرون على الخروج عنهما بحال من الأحوال، لما يؤدي إليه الخروج عنهما من تکذيب الله تعالى أو الکذب عليه، والعياذ بالله تعالى من ذلک کله. المبدأ الأول: عدم تسمية الله تعالى باسم له لم يسم به تعالى نفسه في کتابه أو علي لسان رسله، فهم إذا دعوه دعوه بأسمائه الحسنى حيث انتدبهم لذلک في کتابه بقوله من سورة الأعراف: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا کَانُوا يَعْمَلُونَ) ([2]). وإذا نعتوه وعرفوا به نعتوه بصفاته، وعرفوه بأفعاله وآياته الدالة عليه جل جلاله، وعظيم سلطانه. والثاني: عدم تشبيه الله تعالى في ذاته ([3])، ولا صفاته، ولا أفعاله بذوات المخلوقين ولا بصفات المحدثين ولا بأفعالهم، لاستحالة وجود شبه لله تعالى عقلا وشرعا، أما الشرع فقد أخبر تعالى في غير موضع من کتابه بنفي الشبيه له والکفؤ، فقال تعالى (لَيْسَ کَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ([4]). وقال تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَکُنْ لَهُ کُفُوًا أَحَدٌ (4)) ([5]). وأما العقل: فإن خالق المادة لا يکون مادة، وما لم يکن مادة فکيف تشبهه المادة، وهل تشبه ما ليس بمادة بما هو مادة؟ فلذا قضى العقل باستحالة أن يشبه الخالق بمخلوقاته. ومن هنا: فالمؤمنون يصفون ربهم بکل ما وصف به نفسه في کتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم (ولا يتحرجون من ذلک أبدا). فيقولون: إن الله يسمع ويبصر، ويحب ويبغض، وخلق بيديه، واستوى على عرشه، ويجيء لفصل القضاء، وينزل کل ليلة إلى السماء الدنيا، وکلم موسى، وذلک لأمور. أحدها: إنه ما دام تعالى قد وصف نفسه بهذه الصفات، ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس به تعالى لم يبق إذا من معنى للتحرج في وصفه تعالى بذلک، إذا لو لم يکن ذلک جائزا ومشروعا لنهى عنه تعالى في کتابه، وحرمه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وکما حرم تکذيبه والکذب عليه، ووصفه بما هو براء منه من سائر الأوصاف وعين الماء، وعين الحيوان، ولا شبه بين تلک الذوات التي أطلق عليها لفظ ”العين” المشترک بينهما إلا في مجرد الاسم فقط ([6]). وأخيرا، فهداية المؤمنين في هذه العقيدة عقلية ودينية، فالعقلية: هي استحالة إدراک کنه ذات الله تعالى، وکنه صفاته، لأن ذات الرب تعالى ليست مادة فتدرک، وصفاته من ذاته، ومتى استحال إدراک کنه الذات استحال کذلک إدراک کنه الصفات، والدينية الشرعية: هي إخباره تعالى بأنه ليس کمثله شيء، وأنه لم يکن له کفوا أحد، وأن الخلق لا يحيطون به علما، مع وصفه تعالى لنفسه بصفات ذاتية: کالسمع والبصر، واليد والعين، والرضا، والغضب، والحب، والسخط، وفعلية کالمجيء، والنزول، والخلق باليد، والاستواء على العرش، وما إلى ذلک مما ورد من الصفات في الکتاب الکريم والسنة الشريفة معا. وقد استخدمت في هذه الدراسة منهجا يجمع بين التحليل والنقد معا أيضا واتبعت المنهج التاريخي، ووقفت مبينا آراء الأشاعرة والسلف في مسألة الصفات وعلاقتها بالذات الإلهية وذلک حتى يتسنى الوقوف على أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما. جاءت الدراسة في مقدمة، وتمهيد، وخمس مباحث، وخاتمة؛ کما يلي: المبحث الأول: الصفات الذاتية المبحث الثاني: کلام الله القرآن. المبحث الثالث: الصفات الفعلية. المبحث الرابع: الصفات الخبرية. المبحث الخامس: تأويل الصفات بين الأشاعرة والسلف. الخاتمة: وتحتوي على نتائج البحث.

الكلمات الرئيسية